الإفراج عن "الحامدي" يعيد النقاش حول حرية الصحافة وحقوق اللاجئين في الولايات المتحدة
الإفراج عن "الحامدي" يعيد النقاش حول حرية الصحافة وحقوق اللاجئين في الولايات المتحدة
أعلنت السلطات الأمريكية عن إطلاق سراح الصحفي البريطاني سامي الحامدي، المعروف بتأييده للقضية الفلسطينية، بعد احتجازه لأكثر من أسبوعين في الولايات المتحدة، وكان الحامدي قد أوقف في 26 أكتوبر الماضي عند وصوله إلى مطار سان فرانسيسكو، أثناء جولته لإلقاء خطابات عامة في عدة ولايات أمريكية، وذكرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أن الحامدي أجنبي غير قانوني ومتعاطف مع الإرهاب، مستشهدة بدوره في "تشجيع هجوم حماس الإرهابي" في السابع من أكتوبر، وأنه وافق على مغادرة البلاد طوعًا.
وقد ألغت السلطات الأمريكية تأشيرة الحامدي في 24 أكتوبر، قبل يومين من اعتقاله، دون توجيه أي اتهامات جنائية رسمية، وهو ما يطرح تساؤلات حول الإجراءات القانونية المتبعة ومدى احترام حقوق الأجانب في الولايات المتحدة، وأكدت أسرة الحامدي أنه سيعود إلى بريطانيا قريبًا، في حين قدم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في كاليفورنيا الدعم القانوني للطعن على احتجازه، مشيرًا إلى عدم وجود مخالفات جنائية بحقه وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
الأسباب القانونية والسياسية وراء الاحتجاز
تتداخل الأسباب القانونية والسياسية في هذه القضية، حيث أرجعت السلطات الأمريكية احتجاز الحامدي إلى انتهاك مدة الإقامة القانونية وارتباطه بدعم أعمال تُصنف إرهابية وفق القانون الأمريكي، ويأتي هذا في سياق تشديد الولايات المتحدة، خاصة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، على منع دخول الأجانب الذين يُنظر إليهم على أنهم يمثلون تهديدًا للأمن القومي أو يدعمون جماعات مصنفة إرهابية.
من الناحية السياسية، يشير مراقبون إلى أن موقف الحامدي المؤيد للفلسطينيين، وانتقاده لأفعال إسرائيل في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، كان عاملًا مؤثرًا في التعاطي الرسمي معه، ما يثير مخاوف حول الحدود بين حرية التعبير والأمن القومي في الولايات المتحدة.
تداعيات إنسانية وقانونية
تثير قضية الحامدي تداعيات إنسانية ملاحظة، خصوصًا فيما يتعلق بحرية الصحافة وحقوق الصحفيين الدوليين، فالاعتقال الاحترازي لفترة طويلة دون اتهامات جنائية رسمية يعرض الأفراد للضغط النفسي، ويؤثر في قدرتهم على ممارسة عملهم الإعلامي بحرية، كما يعكس المخاطر التي يواجهها الصحفيون المؤيدون لقضايا سياسية حساسة عند السفر إلى دول ذات قوانين صارمة تتعلق بالتصريحات العامة أو النشاط السياسي.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن احتجاز الصحفيين الأجانب في مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى تضييق مساحة الحوار العام، ويحد من التغطية الإعلامية المستقلة، ويشكل تهديدًا للمعايير الدولية لحرية التعبير.
ردود الفعل الدولية والمحلية
أثارت القضية ردود فعل متباينة على المستويين المحلي والدولي، فقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية والدولية احتجاز الحامدي، معتبرة أنه يشكل تقييدًا غير مبرر لحرية التعبير وحرية الصحافة، وذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن أي اعتقال لأجنبي يجب أن يتوافق مع المعايير الدولية للحقوق المدنية والسياسية، ومنها الحق في محاكمة عادلة وعدم التمييز على أساس الآراء السياسية.
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية البريطانية تقديم الدعم القنصلي للحامدي، والتواصل مع السلطات الأمريكية لضمان احترام حقوقه، في حين وصف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في كاليفورنيا اعتقاله بأنه انتهاك واضح لحقه في التعبير عن آرائه السياسية، مشيرًا إلى أن جريمته الوحيدة كانت الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ترتبط هذه القضية بسياق أوسع يتعلق بالسياسات الأمريكية تجاه الأجانب الذين يُنظر إليهم على أنهم يدعمون جماعات أو حركات سياسية تعدها الولايات المتحدة إرهابية، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فرضت الولايات المتحدة قيودًا صارمة على التأشيرات والزيارات، مع التركيز على الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.
كما أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي شهد تصاعدًا في التوترات منذ أكتوبر 2023، وهو ما أدى إلى زيادة المراقبة على الأفراد المرتبطين بالتغطية الإعلامية أو النشاط المؤيد للفلسطينيين، خصوصًا في الولايات المتحدة التي تُصنف بعض الجماعات الفلسطينية بوصفها منظمات إرهابية.
حالات وتأثيرات الاحتجاز
تشير بيانات من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية إلى أن أكثر من 2500 حالة اعتقال أو احتجاز لأجانب بسبب نشاط سياسي أو تعليقات على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تم توثيقها منذ عام 2023، كما أظهرت دراسة أن 67 بالمئة من الصحفيين الأجانب المحتجزين في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية تعرضوا لضغوط أمنية وقانونية غير متناسبة مع الأنشطة الصحفية التي قاموا بها.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن هذه الإجراءات تزيد من المخاطر النفسية والاجتماعية على الصحفيين، وتشكل معوقًا أمام تغطية النزاعات الحساسة، بما يقلل من شفافية المعلومات المتاحة للرأي العام العالمي.
تكشف قضية سامي الحامدي عن تداخل القانون الأمريكي مع السياسات الأمنية والسياسية، وتأثير ذلك على حرية التعبير وحقوق الصحفيين الدوليين، ويؤكد الخبراء على أن أي ممارسة للقيود على الأجانب يجب أن تراعي المعايير الدولية للحقوق المدنية والسياسية، وأن توفر حماية كافية للحق في التعبير عن الآراء، خصوصًا في السياق الإعلامي.
كما يشير التحليل إلى أن توفير ضمانات قنصلية ودعم قانوني مستقل يشكل عنصرًا أساسيًا لتقليل المخاطر على الصحفيين، ويضمن التوازن بين حماية الأمن القومي وحقوق الأفراد، ويُعد التنسيق الدولي مع المنظمات الحقوقية أمراً حاسماً لمراقبة مدى الالتزام بالمعايير الدولية في حالات الاحتجاز السياسي أو الإداري للصحفيين الأجانب.
معضلة بين الأمن وحرية التعبير
تبرز قضية سامي الحامدي بوصفها مثالاً على التحديات التي تواجه الصحفيين الأجانب في الولايات المتحدة، بين الأمن القومي وحرية التعبير، وتوضح الحالة كيف يمكن أن تتقاطع السياسات الأمنية مع النشاط الإعلامي، ما يطرح تساؤلات حول الحدود القانونية والأخلاقية للاحتجاز، وأهمية ضمان الحقوق الإنسانية للصحفيين عند الانتقال بين دول مختلفة، وتظل قضية الحامدي دعوة للسلطات الدولية لتعزيز حماية حرية الصحافة وحقوق الأجانب، وضمان أن أي إجراءات قانونية أو أمنية تراعي المعايير الإنسانية الدولية.











